فصل: مطلب في ضمير يأت والجمع بين الآيات المتعارضة ومعنى الاستثناء في أهل الجنة والنار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في ضمير يأت والجمع بين الآيات المتعارضة ومعنى الاستثناء في أهل الجنة والنار:

وقد أعدنا ضمير يأت إلى الأجل خلافا لبعض المفسرين، وقد منع بعضهم عوده إلى اليوم محتجا بأن تعرف اليوم بالإتيان يأبى تعرف الإتيان به، لأن إتيان اليوم لا ينفك عن يوم الإتيان، وأعاده للجزاء الذي يقع فيه وبعضهم أعاده للّه تعالى.
وليعلم أن منع عوده لليوم ممنوع لأن كل زمان له شأن يعتبر تجدده كالعيد وعاشوراء والنيروز والساعة مثال يجري مجرى الزمان وإن كان في نفسه زمانا فباعتبار تغير الجهتين صحت الإضافة والإسناد كما يصح أن يقال يوم تقوم الساعة ويوم يأتي العيد والعيد في يوم كذا فالأولى زمان وضميره أعني فاعل الفعل زماني وعود الضمير للجزاء لا وجه له لعدم ذكره سابقا وعود الضمير على ما لم يكن موجودا إذا لم يكن معلوما أو لم يسبق له ذكر لا يجوز، وعوده للّه تعالى غير سديد لأنه جل شأنه هو المتكلم والضمير لا يعود لنفس المتكلم في مثله وكذلك الحال على قراءة يؤخره بالياء لا يتجه عود الضمير إليه تعالى بل ضمير يؤخره يعود إليه تعالى، وحذف ياء يأت وصلا ووقفا جائز للتخفيف كما في لا أدر ولا أبال وأثبتها النحويان ونافع بالوصل وابن كثير بالوصل والوقف وباقي السبعة بالحذف في الحالتين لأن الإجذاء بالكسرة عن الياء كثير لاسيما في لغة بل {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} مطلقا أو بما يتعلق بالشفاعة بدليل قوله عز قوله: {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أدبا واحتراما من جهة ولشدة الخوف وطول زمنه من جهة أخرى، وهذه الآية وإن كانت ظاهرا تتعارض مع قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها} الآية 111 من سورة النحل، وقوله تعالى: {ما كُنَّا مُشْرِكِينَ} الآية 24 من سورة الأنعام الآتيتين وغيرهما من الآيات الدالة على وجود التكلم والخصام يوم الموقف، إلا أنه لا معارضة في الحقيقة لأن يوم القيامة يوم طويل تختلف فيه أحوال أهله فتارة يسكتون ومرة يجادلون وطورا يتعاتبون وأخرى يجحدون ويحجمون عن الكلام لما تأخذهم الدهشة من هيبة الموقف فكأنهم ألجموا بألجمة محكمة لا يستطيعون معها التكلم وبعضا يؤذن لهم بالكلام وإبداء للعذر وقد ينسح لهم بالكلام فينكرون ما عزي إليهم كما أوضحناه في الآيتين 35 26 من سورة الأعراف وما قبلها والآية 109 من سورة طه والآية 27 من سورة فاطر المارات، وللبحث صلة في الآية 19 فما بعدها من سورة فصلت والآية 21 من سورة إبراهيم الآتيتين، لهذا جاز التوفيق بين الآيات المتعارضات لصرف كل منها لما يناسبها وهذا هو وجه الجمع بينها فلا تعارض من حيث المعنى ولا تنافي من جهة الحكم ولا تباين من حيث اللفظ هذا على أن منع التكلم مطلقا، أما إذا كان منع التكلم مما يتعلق بالشفاعة فلا معارضة لا من حيث الظاهر ولا من جهة الحقيقة، لأن الشفاعة لا تكون لأحد إلا بإذن اللّه ومن تكلم بإذنه كان مأمورا بالتكلم ولا يقال لمئله أنه تكلم من تلقاء نفسه {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ} بسوء عمله {وَسَعِيدٌ 106} بحسنه أي ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما وقدمنا في الآية 41 فما بعدها من سورة الأعراف فيما يتعلق بها فراجعه ثم بين ما لكل منها فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} بحكم اللّه الأزلي لما هم عليه من الكفر {فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ} مد النفس وإخراجه من الصدر وترديده فيه حتى تنتفخ منه الضلوع {وَشَهِيقٌ 107} رد النفس وإرجاعه إلى الصدر وهما معروفان عند العرب قال الشماخ في حمار وحشي:
بعيد مدى التطريب أول صوته ** زفير ويتلوه شهيق محشرج

{خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} في الآخرة لأنهما في الدنيا زائلتان قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ} الآية 49 من سورة إبراهيم الآتية، وكل ما علاك فأظلت فهو سماء وكل ما استقرت عليه قدماك فهو أرض، وهذا كلام يؤذن بالتأبيد وبعلم بدوام الشر.
جريا على عادة العرب، فإنهم يقولون لا آتيك ما دامت السموات والأرض، وما دام الملوان، وتعاقب النيران، وتخالف الجديدان، يكنون بذلك التأبيد، وهذا الخلود المحتم في النار للكافرين ينفي صرف الدوام للسموات والأرض الموجودة الآن {إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} لبعض عصاة المؤمنين الذين يدخلهم النار جزاء اقترافهم عظائم الذنوب ثم يخرجهم منها إن شاء فيكون الاستثناء منقطعا، لأنه من غير جنس المستثنى منه، لأن الذين أخرجوا من النار بعد تعذيبهم فيها موقتا سعداء في الحقيقة، وقد استثناهم اللّه تعالى من الأشقياء، يدل على هذا ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إن اللّه سبحانه وتعالى يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة. وفي رواية يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة.
وروى البخاري عن عمران بن حصين أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال يخرج قوم من النار بالشفاعة فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ 108} لا معارض له ولا راد لإرادته {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} لهم فيها بهجة وسرور، وقرئ سقوا بالبناء للفاعل، وسعدوا للمفعول، وقرئ بالمفعول والفاعل {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ} وهم قوم من العارفين المخلصين وينقلهم ربهم إلى مأوى أكبر وأجل منها وهو المقام الذي يرون به ربهم عز وجل، فيحل رضوانه عليهم ويتجلى لهم فيه، وعليه يكون الاستثناء متصلا، لأنهم من السعداء ولو تفاوتت درجاتهم، ويكون الاستثناء منقطعا إذ أرجع إلى مدة لبث المستثنين من النار قبل دخولهم الجنة، فلا يكون خلودهم فيها كامل، بالنسبة لأمثالهم، لأنهم لم يدخلوها ابتداء {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ 109} غير مقطوع بل هو مستمر أبدا دائم سرمدا هذا ما شاءه اللّه لأهل الجنة أللهم اجعلنا من أهلها ولم يخبرنا بما شاءه لاهل النار، روى ابن مسعود عن أبي هريرة وعمرو بن العاص قال: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد، فإذا صح هذا يحمل على إخلاء أماكن المؤمنين الذين استحقوا النار من النار بعد إخراجهم منها، أو على إخراج الكفار من النار إلى الزمهرير، إذ ثبت بالدليل الصحيح القاطع وإجماع أهل السنة والجماعة خلود المؤمنين بالجنة والكافرين بالنار وإخراج جميع الموحّدين من النار وإدخالهم الجنة.
وقال بعضهم إن العصاة لا يخرجون، ويرد قولهم ما نقلناه في الأحاديث الصحيحة، ولا حجة لهم إلا الطعن بصحتها ولن يتيسر لهم فعلا.
هذا، وقد أخرج ابن المنذر عن الحسن قال: قال عمر رضي اللّه عنه لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية يريد الاستثناء الوارد فيها.
وليعلم أن السعادة هي معاونة الأمور الإلهية للإنسان ومساعدته على فعل الخير والصلاح وتيسيره لها، وهذه السعادة الدنيوية تؤول إلى السعادة الأخروية التي نهايتها الجنة، والشقاوة علي خذلان العبد وانهماكه فيما حرم اللّه عليه وتماديه في موارد البغي والطغيان، وهذه الشقاوة الدنيوية توصله إلى الشقاوة الأخروية التي غايتها النار وفاقا لما هو في علم اللّه الأزلي.
روى البخاري ومسلم عن علي كرم اللّه وجهه قال: كنا في جنارة في بقيع الفرقد (مقبرة أهل المدينة) فاتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكث (يضرب الأرض) بمخصرته (وهي عصاة كالسوط رأسها يشبه القوس للزناد) ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا يا رسول اللّه أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال اعملوا فكل ميسّر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى} الآية 5 فما بعدها من سورة والليل المارة، وقد ذكرنا ما يتعلق في هذا في سورة والعصر المارة فراجعه.
هذا وهناك أقوال أخر في الاستثناء الآنف الذكر في حق الفريقين أعرضنا عن ذكرها لمضاربة بعضها لبعض فضلا عن كثرتها، وفائدة دفع توهم كون الخلود أمرا واجبا عليه تعالى لا يمكن له نقضه، وهو جل شأنه ما عليه واجب وغاية ما فيه إرشاد العباد إلى تفويض الأمور إليه تعالى وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا حق لأحد عليه ولا يجب شيء عليه {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ} الجملة من الآية المارة، فإذا شاء تعذيب أهل الجنة فعل وإذا شاء تنعيم أهل النار فعل، لا منازع له، له الخلق والأمر، ولا يبعد أن يكون هذا الاستثناء على نمط الاستثناء الذي ندب إليه الشرع في كل كلام على نحو قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} الآية 28 من سورة الفتح استثناء في واجب وهو في حكم الشرط كأنه قيل إن شاء ربك فليس يحتاج أن يوصف بمتصل أو منقطع، وذكرنا في الآية 19 من الفرقان والآية 72 من مريم المارتين، دحض قول من يقول إن مرتكب الكبيرة يخلد في النار فراجعه، وقد أخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: لما نزلت: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} قلت يا رسول اللّه فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه؟ قال بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له.
وأخرج الترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي يده كتابان فقال أتدرون ما هذان الكتابان قلنا لا يا رسول اللّه أما تخبرنا؟ فقال الذي بيده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وآبائهم وقبائلهم ثم أجملهم على آخرهم فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، ثم قال الذي بشماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وآبائهم وقبائلهم ثم أجملهم على آخرهم فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، ثم قال للذي بشماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وآبائهم وقبائلهم ثم أجملهم على آخرهم فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول اللّه إن كان أمر قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ثم قال صلى اللّه عليه وسلم بيده هكذا فنبذهما وقال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير، وجاء في حديث آخر الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه وحمل معناه على ظهور الأمر للملك الموكل بالنطفة وإلا فالأمر قبل ذلك.
واعلم أن في هذه الآية من أنواع البديع صفة الجمع مع التفريق والتقسيم، أما الجمع ففي قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} فإن النفس كما تقدر عامة لكونها نكرة في سياق النفي وكل نكرة جاءت في سياق النفي تعم.
وأما التفريق ففي قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وأما التقسيم ففي قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ} إلخ الآية: {وَأَمَّا الَّذِينَ} إلخ، وعليه جاء قول الشريف القيرواني:
لمختلفي الحاجات جمع ببابه ** فهذا له فنّ وهذا له فنّ

فللخامل العليا وللمعدم الغنى ** وللمذنب العتبى وللخائف الأمن

وأمثاله كثير، هذا وقد جاءت الأفعال في الآية بالماضي مع أنها في الواقع مستقبلة إشارة إلى تحقيق وقوعها كما ذكرنا في مثلها غير مرة، قال تعالى: {فَلا تَكُ} يا سيد الرسل {فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ} الكفرة من الأصنام {ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ} من الأوثان قبلهم وهو مستندهم في عبادتها لا غير لأن غاية ما يحتجون به هو أنهم رأوا آباءهم تعبدها فعبدوها فلا تنعب نفسك فيهم أو تشك في أمرهم {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من العذاب تاما كاملا كما أوفيناه لأسلافهم {غَيْرَ مَنْقُوصٍ 110} إذا أصروا على ما هم عليه على أنا سنوفيهم رزقهم الدنيوي كاملا أيضا ليستوفوا تمام أجلهم فيها وفي هذه الآية إشارة إلى مزيد فضل اللّه على عصاته إذ لم يقطع شيئا من رزقهم مع ما هم عليه من الكفر على أن معنى النصيب يدل على أن المقصود به رزق الدنيا لأنه مما يطلب ويراد والعذاب بمعزل عن ذلك ويؤكد هذا قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا} الآية 76 من القصص المارة، وقال بعض المفسرين: المراد بنصيبهم عذابهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} إذ صدق به بعض قومه وكذبه آخرون كما فعل قومك معك فلا تضجر من تكذيبهم فلك أسوة بمن قبلك {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بتأخير العذاب عن منكري حقك لأجل معلوم عندنا محدود لا يبدل ولا يغير {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} حال تكذيبهم وكذلك الأمم السابقة فقد أمهلوا لانقضاء آجالهم المعينة عندنا {وَإِنَّهُمْ} لا يزالون {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} بأنه أي القرآن بدليل سبق كتاب موسى عليه السلام بأنه من عند اللّه منزل عليك أو أنهم في شك {مُرِيبٍ 111} من نزول العذاب بهم وقد أوقعهم هذا الشك في الرية بنزوله وتوهموا عدم صحته {وَإِنَّ كُلًّا} من الفريقين المختلفين المصدق منهم والمكذب (والتنوين في كلا يسمى تنوين العوض لأنه عوض عن المضاف) {لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ} أي واللّه ليوفينهم جزاء أعمالهم فاللام فيه للقسم فيثبب المصدق الجنة والمكذب النار، ولما هنا بمعنى إلا مثلها في قوله تعالى في الآية 4 من سورة الطارق المارة وهي {كل نفس لما عليها حافظ} وقرئ لما بالتنوين بمعنى جميع مثلها في قوله تعالى: {أكلا لمّا} الآية 19 من سورة الفجر المارة أيضا، وقد تكون ظرفا بمعنى حين وعليه يكون المعنى وإن كلا حين يبعثوا ليوفينهم جزاء أعمالهم دون حاجة إلى الإثبات {إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 112} لا يخفى عليه شيء من عملهم، وفي هذه الآية وعد وبشارة للمصدقين ووعيد وتهديد للمكذبين.

.مطلب في الاستقامة والتقوى والورع وما يتفرع عنهما:

قال تعالى يا سيد الرسل: {فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ} من الاستقامة التي أمرناك بها لا تعدل عنها قيد شعرة فهي طريق توفيقك لما وعدناك به من النصر والظفر وهذا أمر تأكيدي بطلب المثابرة والدوام على الحالة الأولى كقولك للقائم قم حتى آتيك، أي دم على ما أنت عليه {وَمَنْ تابَ مَعَكَ} وآمن بك وبما أنزل عليك، فعليهم أيضا أن يلازموا الاستقامة ويداوموا عليها.